الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

بطلان قول بعضهم كانَ إذَا أعْجبتُهُ امْرَأةٌ فَرَغِبَ فِيْهَا حَرُمَ عَلَى زَوْجِها إِمْسَاكُهَا

بطلان قول بعضهم كانَ إذَا أعْجبتُهُ امْرَأةٌ فَرَغِبَ فِيْهَا حَرُمَ عَلَى زَوْجِها إِمْسَاكُهَا

سلسلة الذب عن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
/ الأولى
بقلم الشيخ عبد الله عبد الرحيم البخاري حفظه الله
بسم الله الرَّحمن الرَّحيمالحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّدٍ و آله وصحبه وسلَّم، وبعد:فإنَّ الله عزَّ وجلَّ قد تَكَفَّلَ بِحِفْظِ الْحَنِيْفِيَّةِ السَّمْحة، فَقَالَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزيْلِ {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الْذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقيَّضَ لها خَلْقَاً من الْمُؤْمِنِيْنَ فِي كُلِّ عَصْرٍ ومِصْرٍ، لحفظها والذَّبِّ عنْهَا وَصِيَانَتِهَا مِنْ كُلِّ دَخِيْلٍ، حِفْظَاً في الصُّدُورِ وَ دِرَاسَةً وَ تَعلُّماً و تَعْلِيْمَاً وَ تَصنِيْفاً. وتَمَّمَ نِعْمةَ حِفْظِهِ لِدِيْنِهِ أَنْ حَفِظَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صلَّى الله عليه و آله وسلَّم، إِذْ هِي الْمُفَسِّرةُ وَ المبيِّنة وَ الموَضِّحة والمقيّدة والمخصِّصة لِمَا وَرَدَ فِي الكِتَابِ العَزِيْزِ.قَال الْحَافِظُ ابْنُ حِبَّانَ البُستي رحمه الله:"فُرْسَان هَذا العِلْم الَّذين حَفِظُوا عَلى الْمُسْلِمين الدِّين، وَ هَدوهم إِلى الصِّراط المستَقيم، الَّذين آثروا قَطْعَ الْمَفَاوزِ وَ القِفَار عَلَى التَّنَعُم في الدِّيار وَ الأوْطان فِي طَلَبِ السُّنَنِ في الأمْصَارِ، وجَمْعِها بالوَجلِ والأسْفار والدَّورانِ في جميعِ الأقطارِ،حتَّى إنَّ أحدَهم لَيَرْحَلُ في الحديثِ الواحِدِ الفَرَاسخَ البعيدة وفي الكَلمةِ الواحدةِ الأيامَ الكثيرةَ، لِئَلَّا يُدْخِلَ مُضِلٌّ في السُّنَنِ شيئاً يُضِلُّ به، وَ إنْ فَعَلَ فَهُمُ الذَّابُّونَ عَنْ رسول صلَّى الله عليه وسلَّم ذَلكَ الكَذب، وَالقَائِمُونَ بنُصْرةِ الدِّينِ" انتهى كلامه رحمه الله من كتاب (المجروحين) له (1/72).وقَال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة الحرَّاني رحمه الله بعد أنْ ذكرَ حَديثاً موضُوعَاً:" إنَّهُ مِنْ أكاذيبِ أهْلِ الوَضْعِ وَ الاخْتِلاَقِ، الَّذين وَضَعُوا مِنَ الكَذِبِ أَكْثر مِمَّا بِأَيْدي الْمُسْلِمينَ مِنَ الصَّحيحِ، لَكنَّ الله فَرَّقَ بَيْنَ الحقِّ وَالبَاطِلِ بِأَهْلِ النَّقْدِ العَارِفِيْنَ بِالنَّقلِ، عُلَمَاء التَّعديل والتَّجْريح" (الرَّد على البكري)(1/70).وَهَذا الَّذي سَارُوا عَلَيْهِ مِنْ بَيانِ الْحَقِّ لِلْخَلقِ إنَّمَا هُو مِنْ بَابِ النَّصيحةِ للهِ وَ لِكِتَابهِ وَ لِرَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْه وَآله وسلَّم وَ لِعَامَّة المسْلِمينَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَرْحَمُونَ الْخَلْقَ وَ يُبيِّنونَ الْحَقَّ؛ قَالَ شَيخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيميَّة رَحمه الله:" والمؤمنُ الْمُحسنُ المتَّبعُ لِسُنَّة رَسُولهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم، لاَ يَأْمُرُ أحَداً بِأَمْرٍ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ... وَ لاَ يَسْأَلُ أَحْدَاً شَيْئَاً، بَلْ إِذَا أَمَرَ أحَداً بِأَمْرٍ كَانَ مَقْصودُه بِذَلكَ انْتَفاع الْمَأمورِ وَ حُصُول مَصْلحتهِ، وَ لَهُ أَجْرُ النَّاصحِ الدَّالِ عَلى الْخَير، الدَّاعي إلى الْهُدى، فَيَكُونُ لَهُ مِثْل أَجْرِ العَاملِ الْمَأمورِ مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أجْرِ العَامِلِ شَيئٌ...فَالمؤمنُ الْمُتَّبِعُ لِلسُّنَّةِ، يُحْسِنُ إِلَى الْخَلْقِ وَ يَطْلُبُ الأَجْرَ مِنَ الْخَالقِ، فَيَكُونُ قَائمِاً بِحقِّ الله وَحَقِّ عِبَادهِ.." (الرد على البكري)(1/218-219).فَالْمُؤمِنُ السُّنِّي المتَّبع إنِّما يَسْلُكُ بِذَلكَ الصِّراطَ الْمُسْتَقيم الَّذي يَدْعُو ربَّه كُلَّ ركعةٍ أنْ يَهْديَهُ إِلَيْهِ، قَالَ شَيخُ الإِسْلامِ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله:" المسألة العُشرون: وَهِيَ: مَا هُو الصِّراط المستقيم؟ فنَذْكُرُ فِيْهِ قَولاً وَجِيْزَاً؛ فإنَّ النَّاسَ تَنَوَّعَتْ عِبَاراتهم فيهِ... وَ حَقِيْقَتُهُ شَيءٌ واحدٌ وهُو:طَريقُ اللهِ الَّذي نَصَبهُ لِعِبَادهِ عَلَى أَلْسن رُسُلهِ، وَجَعلهُ مُوصِلاً لِعَبادهِ إِليْهِ، وَ لاَ طَريقَ لَهُم إِليهِ سِوَاهُ، بَلْ الطُّرقُ كُلُّهَا مَسدودة إلاَّ هذا؛ وهُو إفرادهُ بالعُبُوديَّةِ، وَ إِفْرادُ رَسُولهِ بالطَّاعةِ، فَلا يُشْركُ بِهِ أحَداً في عُبُودِيَّتِهِ، وَ لاُ يُشْركُ بِرَسُولهِ أَحَداً فِي طَاعتهِ، فَيُجَرَّد التَّوحيد وَ يُجرِّد مُتَابعةَ الرَّسُولِ صَلَّى الله عليه وسلَّم" (بدائع الفوائد)(2/40).فَمِمَّا تَقَدَّم يَتَبَيَّنُ لَنَا جَليَّاً مَكَانَةَ أَهْلِ الْحَديثِ وَ أئمَّة السُّنَّة، وَ مَسْلَكَهُم النَّبَيل و جُهودهم فِي حِفْظِ دِيْنِ الله وَ الذَّبِ عنْهُ بالنَّفس والنَّفيس! بِعِلْمٍ وَ عَدلٍ، لا وَكْسٍ وَ لاَ شَطَطٍ، رَغْبَةً فِيْمَا عِنْدَ الله وَ رَهْبَةً مِنَ الله! فَنَصَحُوا وَ بَرُّوا، غَفرَ الله لَهُم وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُمْ.وَ اسْتِنَانَاً بِمَسْلَكِهم وَ نُصْحَاً لِلأُمَّةِ رَغِبْتُ فِي مشاركتِهم الذبَّ عنْ سُنَّة رَسُولِ الله صلَّى الله عليه و آله وسلَّم الغرَّاء، فِي مَقَالات عِدَّة، أَبدأُ فيها بالتَّنبيه على أمرٍ خَطيرٍ قد وقعَ فيه عَددٌ مِنَ العُلَماءِ – غَفَر الله لهم- وتَتَابَعُوا عَليه!! وَ نَسبوهُ إِلَى خَصَائصهِ الشَّريفة صلَّى الله عَليه وآله وسلَّم، وَلَيسَ الأمرُ كَذَلِكَ- كما سَأُبيِّنهُ بحولِ الله-، فَأَسْأَلُ الله بِمنِّهِ وَكَرمهِ أَنْ يَحْشُرَنِي وَ وَالِدَيَّ و مَشَايِخي وَ ذُرِّيَتِي وَ إِخْوَتي مِنْ أهْلِ السُّنَّة تَحْتَ لوائهِ يَومَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، اللهُمَّ آمين.وَ هَذا أَوانُ الْمَقْصُود:المأخَذُ: قَال العلاَّمةُ أَبو العَبَّاس أحْمدُ بْنُ عُمر القُرْطبي (ت 656هـ) في كتابهِ (الْمُفْهِمُ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تَلْخِيْصِ مُسْلمٍ) (4/ 90) شَارِحَاً حَديثَ جَابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ مُسْلمٍ، وَفِيْهِ: (أنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليْهِ وَسلَّم رَأى امْرَأةً، فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنب وَهِيَ تَمعسُ مَنِيئةً لَهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، ثُمَّ خرَجَ إِلَى أصْحَابه فَقَال: إنَّ الْمَرأةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَان، وتُدبرُ في صُورةِ شَيطان، فَإذَا أَبْصرَ أَحدُكم امْرأةً فَلْيَأتِِ أَهْلَهُ، فإنَّ ذلكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِِ).قَال القُرْطِبيُّ:" قَوله (رأى امرأة) أي وَقَعَ عليها بصَرُهُ فَجْأةً ، قَال:وَكانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا تَحْتَجِبُ النِّساءُ منْه، قَالَ: وكانَ إذَا أعْجبتُهُ امْرَأةٌ فَرَغِبَ فِيْهَا حَرُمَ عَلَى زَوْجِها إِمْسَاكُهَا، هَكَذا ذكرهُ أَبُو المعَالي وغيره" انْتَهَى كَلامهُ.قلتُ: يقصد بأبي المعالي: عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن عبدالله بن يوسف بن محمد ابن حَيويه الجُوينيُّ ثم النَّيسابوري الشافعي، صاحب التصانيف،(ت 478هـ).تنظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء)(18/468-477) و (طبقات الشافعية الكبرى) للسبكي(5/165-222).و يقصد بقوله (وغيره): أي أنَّ هذا القول قاله غيره من أهل العلم، والأمر كما قال فإنَّ هذه المسألة قَدْ ذَكرها جَمْعٌ مِنَ العُلَماءِ وَ عَدُّوهَا فِي خَصَائِصهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَ سَلَّمَ، وَ لَمْ يُدلِّلوا عَلَيْهَا بِدَلِيْلٍ صَحِيْحٍ صَرِيْحٍ!! فَمِنْهُمْ- زيادةً عَلَى الجويني وأبي العباس القرطبي-: أبو عبدالله القرطبي و النّووي وابن الملقن والعراقيُّ والأُبي و أبو عبدالله السَّنوسي و السُّيوطيُّ.كما في (الجامع لأحكام القرآن) (14/212) عند تفسير قوله تعالى {يا أيها النبي إنَّا أحللنا لك أزواجك..} الآية، و( روضة الطالبين ) (5/353-354 ) و( غاية السُّول في خصائص الرَّسول) (القسم الثاني/ التخفيفات المتعلِّقة بالنَّكاح) (المسألة الثالثة/196-197) و(تكلمة شرح العراقي على جامع الترمذي) (ل 257ب/ نسخة الرباط) (شرح الباب التاسع من الجامع/ الوجه السابع )و( إكمال إكمال المعلم )(4/10) و( مكمل إكمال الإكمال)( 4/10 ) و( أنموذج الحبيب في خصائص الحبيب) للسيوطي (الفصل الثالث/فيما اختصَّ به النبي صلى الله عليه وسلم من المباحات) (ص72).وهذا القولُ الباطل لَمْ أَجِدْ- حَسب عِلْمي القَاصر- مَنْ تَصَدَّى لِلْجَوابِ عَنْهُ مِنْ أهل العلمِ مِمَّنْ سَبَقَ، بَعْدَ بَحْثٍ شَديدٍ، لِذَا اسْتَعنتُ بِالله العَظِيْمِ فَاجْتَهَدتُ فِي تَفْنِيْدِهِ مِنْ وُجُوهٍ:الأوَّلُ:إنَّ منَ المعلومِ أنَّ مِنَ الواجب عَلى المسلمين التَّأسي بالنَّبي صلَّى الله عليه و آله وسلَّم في هَديه قَولاً و فعلاً، قال تعالى{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَ الْيَوْمَ الآخِر..}؛ فَدلَّت الآية الكريمة عَلَى أنَّ ما صَدرَ منْهُ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قولاً أو فعلاً فَهو مَحل تَأَسٍ وَ اقْتداء، إلاَّ مَا جَاء الدَّليل بِتَخْصيصهِ وَاسْتِثْنَائهِ مِنْ هَذهِ القَاعِدَة العامَّة كَالْخَصَائِصِ مَثَلاً،قَالَ ابْنُ الملقن" فَإنَّ الَّذي يَنْبَغي وَ لاَ يُعْدَلُ إِلَى غَيْرهِ: أنْ لاَ تَثْبُتَ خُصوصية إلاَّ بَدليلٍ صَحيحٍ" (غاية السول)(ص79).وفي (المواهب اللدنية)(2/600):" والخصائصُ لا تَثْبُتُ إلاَّ بدليلٍ صحيحٍ".وقَال الجويني!!:"ليس يَسُوغُ إثباتُ خصائص رسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالأَقْيِسَةِ الَّتي يُنَاط ُبِهَا الأحكام العامة في النَّاس، ولكن الوجه ما جاء به الشِّرع من غير ابتغاء مزيدٍ عليه" من (نهاية السول)(ص69).وقال ابن الملقن معلِّقاً على الأقيسة في الخصائص النَّبوية:" فإنَّ الأقيسةَ لاَ مَجالَ لِهَا في ذَلكَ، وَ إنَّما المتَّبع فيه النُّصوص، وما لا نَصَّ فيه فالاختيارُ في ذلك هُجُومٌ عَلَى غَيْبٍ بلا فائدة" (نهاية السول)(ص69).فهذه بعض النقولات عن بعض العلماء ممن أُثرَ عنهم ذلك القول الباطل! في أنَّ الخصوصية لا مجال للاجتهاد فيها، وأنَّها لا تثبتُ إلاَّ بنصٍّ! وهذا هو الصَّحيح.الثاني:بناءً على ما تقدَّم تقريره فإنَّ ذكر هذه المسألة في خصائصه عليه الصَّلاة والسَّلام هي في الحقيقةِ لَو أَرَدْنَا أنْ نُعملَ فِيْهَا القَاعِدَةَ المتقدِّمة لَمَا اسْتَطعنا!! إذْ لَمْ يَرِد نصٌّ يدلُّ عليها!! ثُمَّ هِيَ تَأْصيلٌ لِمَا يَقولُه المستشرقون وأعداء الدِّين والملة مِنْ أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه و آله وسلَّم رجلٌ شهواني!! وحَاشَاهُ عَليه الصلاة والسلام بِأَبِي هُو وَ أُمِّي.الثالث:غاية ما استدلَ بهِ مَنْ قال بهذهِ المقالة الشَّنيعة قصَّة زيدٍ رضي الله تَعالى عنهُ!! وعندَ التَّمعن في قصَّة زيدٍ يَظْهرُ بجلاءٍ عَدم صحَّةِ الاستدلالِ بها عَلَى هَذه المسألةِ، فَقَدْ خرَّج الإمامُ البُخَاريُّ في (صحيحه) (13/رقم7420/403-فتح) عن أنسٍ رضي الله عنهُ قالَ: (جَاءَ زيدُ بنُ حَارثة يشْكُو، فجَعلَ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: اتَّقِ الله وَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ. قَالَ أَنَس: لَو كَان رَسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كَاتِمَاً شيئاً لكتمَ هذهِ، قَال: فكانتْ زَينب تفْخَرُ علَى أزْواجِ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم تَقُولُ: زَوَّجكن أَهاليكنَّ، وَ زَوَّجَنِي الله مِنْ فَوقِ سَبع سَمَواتٍ).قال الحافظُ ابنُ حجرٍ:" وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السُّدي فساقهَا سِيَاقاً حَسَنَاًوَ لَفظهُ:بَلغنا أنَّ هَذه الآية نَزلت في زينب بن جحش، وكانت أُمها أُميمة بنت عبدالمطلب عمَّة رَسُول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكانَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرادَ أنْ يُزَوجهَا زَيد بن حارثة مَولاهُ، فَكَرِهَتْ ذَلكَ، ثُمَّ إِنَّهَا رَضِيَتْ بِمَا صَنعَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ،فزوَّجَها إيِّاهُ، ثُمَّ أَعْلمَ اللهُ نَبِيَّهُ صلَّى الله عليه وسلَّم بَعْدُ أَنَّهَا مِنْ أَزْواجهِ، فَكانَ يَسْتَحِي أنْ يَأْمُرَ بِطَلاقِهَا، وَكَانَ لاَ يَزَالُ يَكُونُ بَيْنَ زَيد وَ زينب مَا يَكُون مِنَ النَّاسِ، فَأَمرهُ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُمْسِكَ عَليهِ زَوْجَهُ وَ أَنْ يَتَّقِي اللهَ، وَكَانَ يَخْشَى النَّاس أنْ يَعِيْبُوا عليهوَ يَقُولُوا تَزَوَّجَ امْرَأةَ ابْنِهِ، وَكان قَد تَبَنَّىَ زَيْدَاً. ثُمَّ ذكرَ روايةً أُخرىَ مِنْ طَريقِ عَلي بن زَيدِ بْنِ جُدعان، و أنَّ الحكيم الترمذي أَطْنبَ فِي تَحْسينِ الرِّوَاية، فتعقَّبَهُ بِأنَّه لَعلَّهُ لَمْ يَقفْ عَلَى تَفْسيرِ السُّدي الَّذي أَوردهُ، وَهُو أَوْضَحُ سِيَاقاً وَ أصَحُّ إِسْنَاداً إليهِ؛ لِضَعْفِ عَلي بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدعان…-ثُمَّ قَال- وَ وَرَدَتْ آثارٌ أُخرىَ أَخْرجهَا ابْنُ أَبِي حَاتمٍوَ الطَّبرى وَنَقلها كَثيرٌ مِنَ المفَسِّرينَ لاَ يَنْبَغي التَّشَاغل بِهَا، وَ الَّذي أَوْرَدْتُهُ مِنْهَا هُو الْمُعْتَمَدُ.وَ الْحَاصلُ أَنَّ الَّذي كَانَ يُخْفيهِ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هُو إِخْبَارُ اللهِ إِيَّاهُ أَنَّهَا سَتَصِيْرُ زَوجتهُ، وَ الَّذي كَانَ يَحْملهُ عَلَى إخْفَاءِ ذَلكَ خَشْيةَ قَولِ النَّاس: تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنهِ، وَ أَرادَ اللهُ إِبْطَال مَا كَانأَهْل الجاهليَّةِ عَليهِ مِنْ أَحْكَامِ التَّبَنِّي.." (فتح الباري) (8/523-524).فأين الدَّليلُ مِنَ القِصَّة؟؟ وَ أمَّا قَولُ بَعْضهم فِي بَعْضِ الرِّوَايات (إِنَّهُ رَآهَا فَوَقَعتْ فِي قَلْبِهِ) فَهُو كَلامٌ بَاطلٌ؛ لأنَّ الرَّسُولَ صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ يَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِزَيْدٍ، فَلَمْ يَكُن الْحِجَابُ مَفْروضَاً يَومئذٍ، وَ إِنَّمَا فُرِضَ الْحِجَابُ لَيْلةَ زَواجِ الرَّسُولِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ زَيْنَبَ، وَهذا يُبْطِلُ القصَّة المزعومةَ.و ينظر (من معين السيرة النبوية)(ص142).الرابع:ذهبَ بعضُ أهلِ العِلْمِ إِلَى بُطْلانِ القَول بِأنَّ هَذه خِصِّيْصَة،وَ نَفَاهَا،قَال السُّبكي:" وَلم يكن صلَّى الله عليه وسلَّم تُعْجِبُهُ امْرأَةُ أحَدٍ منَ النَّاسِ،وَ قِصَّةُ زَيْنب إِنَّمَا جَعَلها الله تَعَالى كمَا فِي سُورة الأحزاب قَطْعَاً لِقَولِ النَّاسِ: إنَّ زَيْداً ابْنُ مُحَمَّدٍ، وَ إِبْطَالاً لِلتَّبَنِّي- قَالَ- وَ بِالجمْلَةِ فَهَذا الْمَوْضِعُ مِنْ مُنْكَراتِ كَلامِهم فِي الْخَصِائصِ، وَ قَدْ بَالَغُوا فِي هَذا البَابِ فِي مَواضِعَ، وَاقْتَحَمُوا فِيْهَا عَظَائم، لَقْد كَانُوا فِي غُنْيَةٍ عَنْهَا" (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية) (5/235).الخامس:أنَّه قَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ضِدِّ هَذهِ الْمَسألة وَ أبلغ منْهَا، وَهُو:أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه و آله سلَّم خَطَبَ بَعْضَ النِّساء صَرَاحَةً، فَلَمْ يُجِبْنَهُ، وَ بَعْضُهنَّ أَجَبْنَهُ بَعْدُ: فَمَثَلاً:أ/ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، خَطَبها النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاعتذرتْ ثُمَّ قَبِلَتْ!! ينظر (صحيح مسلم)(2/رقم918(3)) ونحوه في (المسند)(44/رقم26669/268) والنسائي(6/رقم3254/389).ب/ هند بنت أبي طالب، بنت عمِّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطبها النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم صَرَاحَةً فَاعْتَذَرَتْ خَشْيَةَ عَدمِ قِيَامِهِا بِحَقِّهِ عَليه الصَّلاة والسَّلام؛ فَقَد قَال الحافظ ابن حجر في (الإصابة)(13/300):" أخرج ابنُ سعدٍ بسندٍ صحيحٍ عن الشعبي قال: خطب النَّبي أم هانئ، فقالت يا رسول الله: لأنتَ أحبّ إليَّ من سمعي و بصري، وحق الزوج عظيم، أخشى أن أضيع حق الزوج..".و ينظر: (المستدرك) للحاكم (4/53) و (السير) للذهبي (1/314).وأخيراً أقول:مما يدلُّ على أنَّ هذه الخصوصية باطلة، أنَّ هذه المرأة التي رآها النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّمثم قام فأتى أهله..إلى آخر الحديث، لم يأتِ في طريقٍ من طُرق الحديث أنَّها حَرُمَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِمُجرَّدِ نَظَرِهِ إليها!! وَ لَمْ يأتِ فِي طَرِيْقٍ مِنْهَا أنَّه تَزَوَّجها!! فَأَيْنَ هَذا القَولُ مِنَ السُّنَّة؟! والله أعلم.وقد أيَّد كَلامي هذا شيخنا العلاَّمة عبدالمحسن العباد (حفظه الله) لما عرضته عليه مختصراً في منزلهِ العامر، يوم الثلاثاء عصراً 5/3/1424هـ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلَّى الله على نبينا محمَّدٍ و آله وصحبه وسلَّم.وكتب: عبدالله بن عبدالرَّحيم البخاري- كان الله له-المدينة النَّبوية – قباءفي 17/5/1426هـنشره الشيخ حفظه الله في شبكة سحاب